وهذا ما اكتشفه العلماء اليابانيون مؤخراً، وهي طريقة علمية مبتكرة في تسخير القوة الهائلة والاستثنائية لشباك العنكبوت، في صنع المواد التي تتطلب أن تكون قوية، وفي الوقت نفسه خفيفة، ومن أهم هذه المواد السترة المضادة للرصاص
وقد نجح الباحثون من جامعة
Shinshu University في اليابان، في حقن جينات العنكبوت في دودة القز التي تنتج الحرير؛ وبذلك حصلوا على خيط ناعم وقوي للغاية، وفي الوقت نفسه أكثر متانة من الحرير التقليدي.
وبدأ فعلاَ أحد الصناعيين اليابانيين بتجريب استخدام هذا الخيط في الصناعة، ومن المتوقع أن ينتشر في الأسواق خلال بضع سنوات قادمة جوارب نسائية مصنوعة من خيوط شباك العنكبوت، وكذلك الخيوط التي تستخدم في صيد السمك.
وبهذا الاكتشاف استطاع الفريق العلمي، الذي مقره في مدينة ناجانو اليابانية، والذي قاده الدكتور ماساو ناكاجاكي البروفسور في علم جينات الحشرات؛ أن يتغلب على العلماء المنافسين من حول العالم، فيما يتعلق بابتكار الطريقة الثورية في إنتاج حرير العنكبوت، وذلك على نطاق واسع.
وكانت الطريقة التقليدية المستخدمة لإنتاج الحرير من دودة القز غير مناسبة ليتمَّ تطبيقها أيضاً على العناكب؛ نظراً لطبيعة العناكب العدوانية، ولكونها تعيش على أكل لحوم الحشرات كما لا يمكن جمع العناكب مع بعض من أجل القيام بالإنتاج الصناعي الواسع؛ كما أن العنكبوت يقوم بإنتاج كمية قليلة كل يوم، لذا لا يمكن استخدامها بشكل تجاري. ومن أجل حل هذه المشكلة لابد من تقليد عملية الإنتاج البيولوجي عند العنكبوت.
ومن جهتهم قام علماء أمريكيون مختصون بالجينات قبل خمس سنوات، باستنباط حرير العنكبوت بطريقة غريبة، اعتمدت على ضرع الماعز، إلا أنَّ تقنية الدكتور ماساو ناكاجاكي عملية أكثر وتعتمد على حشرة يسهل التعامل معها، وهي دودة القز، التي استخدمت خيوطها في صناعة الملابس لأكثر من خمسة آلاف عام.
ويقوم هذا الاكتشاف الحديث على حقن بيضة دودة القز بجينات العنكبوت الذهبي المعروف باليابان بلونه الأصفر والأسود والأحمر الفاقع.
وتحيك هذه اليرقات، التي خرجت من بيضة دودة القز المحقونة بجينات العنكبوت، شرنقة يحتوي عشرة في المئة منها على البروتين الموجود أساساً في العنكبوت.
ويتمّ غزل هذه الخيوط إلى خيوط تشبه الحرير من حيث الخفة، ولكن أقوى بكثير من الحرير.
ويأمل الدكتور ناكاجاكي في أن يزيد من نسبة البروتين، الموجود أساساً في العنكبوت، في هذه الخيوط المبتكرة، لنسبة الخمسين في المئة.
وتعدُّ الخيوط، التي تنتجها العناكب لتبني شباكها، من أقوى المواد الطبيعية وأشدها، كما أنها أقوى بخمس مرات من خيط الفولاذ الذي بنفس سماكتها.
هذا ويعتبر خيط العنكبوت أكثر فعالية وأفضل بكثير من مادة الكيفلار، وهي مادة ليفية مستخرجة من البلاستيك، وتستخدم في صناعة السترات التي تحمي من الطعنات، والدرع الذي يستخدم لحماية الجسم.
ومن الاستخدامات الأخرى لخيوط العنكبوت المبتكرة، مضارب لعبة التنس، وخيوط وشباك صيد السمك؛ فهي أفضل من خيوط النايلون الذي يلوث البيئة ومنها البحار، كما أنها تهدِّد الطيور التي تعيش على الساحل؛ إذ إنَّ خيوط العنكبوت تنحلُّ في التربة بشكل طبيعي مع الوقت، وبذلك فإنها غير ضارة بالبيئة.
كما أنه من الممكن خلال السنوات القادمة أن يتمَّ استخدام خيوط العنكبوت هذه في العمليات الجراحية.
ويشار إلى أنَّ الشركة الوحيدة التي ستصنع المواد المصنوعة من خيوط العنكبوت بشكل تجاري، هي أوكاموتو القائمة في مدينة نارا وسط اليابان، والتي تعتزم تصنيع جوارب في غاية الرقة وفي الوقت نفسه متينة للغاية، بحلول العام 2010.
هذا وقد اعتمدت بعض الحضارات المختلفة على خيوط العنكبوت، حيث اعتمد الصيادون البولنديون في ممارسة مهنتهم على خيوط العنكبوت القوية.
وكان الناس في غينيا يضعون شباك العنكبوت على رؤوسهم، للوقاية من أشعة الشمس الحادة.
اهتمام عسكري
يشار إلى أن بعض جيوش العالم كانت قدت أعربت عن اهتمامها بقوة خيوط العنكبوت منذ الستينيات من القرن الماضي.
وذلك بعد أن تعرض آلاف الجنود إلى الموت بفعل الطلقات النارية ذات الفعالية النافذة القادرة على تحقيق اختراق شديد في الجسم، والتي تعرف بالرصاص الحارق الخارق.
ولم يكن بالإمكان حماية جسد الجندي منها إلا بارتداء دروع ثقيلة الوزن معيقة للحركة، وقد وجد أن خيوط العنكبوت هي المادة المثالية لإنتاج درع واق خفيف الوزن وفعال جداً.
إخفاقات سابقة
منذ آلاف السنين والإنسان يستعمل خيوط الحرير المنتجة عن طريق شرانق الحرير.
يذكر أن العلماء حاولوا منذ أعوام عدة جمع مورثات، أو جينات، العنكبوت مع مكونات حيوية مناسبة لحفزها على إنتاج تلك الخيوط الثمينة.
وقال الدكتور جفري تيرنر المختص بعلم الجينات: إن الشركات عجزت عن تحقيق أي نجاحات تذكر بعد مزج المورثات بالخمائر تارة والبكتيريا تارة أخرى، وانتهت إلى إنتاج خيوط لا يمكن نسجها وليست قوية بما فيه الكفاية.
العناكب لا تغزل خيوطها لتبني بيوتها
يعتقد البعض أن العناكب تغزل خيوطها لبناء بيوت لها، إلا أن الحقيقة أن العناكب تستخدم الخيوط لنسج شبكة صيد قاتلة وليس بيتاً.
وتصطاد العناكب فريستها الحية بواسطة الاهتزازات التي تصدر عنها على الخيط الذي تنسجه. ثم تحقنها بالسم بواسطة الزوائد الرأسية التي نسميها القرون. والعناكب لها أربعة أزواج من الأرجل بينما الحشرات الأخرى لها ثلاثة أزواج فقط ورأس العنكبوت و صدره يلتحمان معاً في المنطقة "الصدر رأسية".
يشار إلى أن العناكب تنتج خيوطها الحريرية بشكل طبيعي من بروتين ممزوج بالماء؛ وتخرجها من فتحة صغيرة جداً من أبدانها لتشرع في نسجها كما هو حال الخيط العادي.
وما اوتيتم من العلم الا قليلا