إنها الحياة الثانية , الحياة الثانية هي اليوم الذي لا تتحمله الجبال قال تعالى } وإذا الجبال نسفت { لكن انتظر هل أنت ملم بحقائق هذا اليوم ولم و كيف..!؟..... هذه هي النهاية , لكن لنبدأ من البداية و البداية لماذا خلقنا؟
طبعا كل منا ستلتمع في ذهنه الإجابة سريعا } إلا ليعبدون{ لكن هل مفهوم العبادة عندنا سليم لو سألنا أيا منا عن العبادة سيقول: طبعا هى الطاعة المطلقة و الطاعة العمياء و تنفيذ الأمر و اجتناب النهى .
حسنا إن العبد الرقيق يطيع سيده طاعة عمياء ليس لأنه يحب سيده بل لأنه يحب نفسه و يؤثر سلامة نفسه لكن ربما يكره سيده أشد الكراهية فهل هذه هي العبادة المطلوبة منا !!!
إذن السؤال ما هو المطلوب أولا و الأولى استعباد القلوب أم استعباد الأجساد ؟ ستقول طبعا استعباد القلوب
حسنا فإن استعباد القلوب هو........... الحب .................تخـــيل ..!!! ولا شيء غير ذلك يستعبد القلب
ونحن يطلب منا استعباد القلوب لذا قال تعالى {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}
يااااااللعجب تخيل أن الله خلقك لتحبه و يحبك(((أعظم حقيقة))).
- بدليل فرحه تعالى بتوبة عبده قال (ص)
لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم كان بأرض فلاه......).
- بدليل (أحبو الله بما يغدوكم به من النعم) الحديث
- بدليل قوله تعالى {يحبهم و يحبونه} هكذا صريحة.
- وقوله في الحديث القدسي ( ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ).
- وقوله تعالى {والله يحب المحسنين} {والله يحب المقسطين} {..الله يحب المتوكلين}
والتوابين و المتطهرين هكذا تجدها كثيرا جدا في القرآن .
- (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما )
- بدليل أنه (الودود) : المحب و المحبوب.
- بدليل أنه (الصمد) :المطلوب المقصود لذاته ....الذي لا يرتاح قلب ولا يطمئن إلا بذكره و أن يكون هو وحده محبوبه و مطلوبه .
- ثم انظر كيف يتولى الأب و الأم شئون أبنائهم بسبب حبهم لهم والله هو (الولي) سبحانه و تعالى
- ولم قال(ص) (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) لم هوأرحم بنا من أمهاتنا؟ لأنه أكثر حبا لنا من أمهاتنا
- وهو (الأحد) ينبغى أن يكون الوحيد في قلبك وفي كل حركات الصلاة تقول (الله أكبر) يعنى ينبغى أن يكون أكبر حب في قلبك .
الحقيقة الرهيبة الهائلة أنك أنت الهدف .....أنك أنت المطلوب و الكون كله جعل لك .....فاذكر عبوديتك لله
واذكر قلبك أنه من حق الله إياك أن تنسى أن قلبك هو المطلوب إياك أن تنسى أن العمل أساسا على قلبك
إياك أن تنسى أنك خلقت فقيرا فقيرا فقيرا بالذات إلى الله وكذلك قلبك .
وإذن .....كيف تعبد الله و أنت لا تحبه و كيف تحبه و أنت لا تعرفه إذن لا بد من هذه المعرفة التي يترتب عليها المحبة من جهتين فمن جهة تحبه لعطائه ومن جهة أخرى تحبه لكماله .
و تكون معرفة الله بدراسة أسمائه وصفات كماله و نعوت جلاله و معايشة هذه المعانى في سويداء القلب فمثلا من يتفقه في اسمه تعالى (السميع و البصير) تجده يشعر أن الله معه يسمعه و يراه ويحيي دقات قلبه {وهو معكم أينما كنتم} ويعلم أن معيته أعلى من أن يخالط عالم المادة لأنه (الأعلى) بل هو يمسك السماوات و الأرض {إن الله يمسك السماوات و الأرض أن تزولا} وهو (المقيت) لا تعمل ذرة في الكون ولا يدور الإلكترون إلا أن يقوته المقيت عز و جل فهو الذي يقوت صواريخ أمريكا و الجهاز الدموي في رأس شارون كل شيء بيده لكنه (الحكيم) عز و جل خلقنا ليبلونا, وهو(الجميل) جمال الذات و جمال الصفات وجمال الفعال وهو(الحنان) الذي يقبل على من أعرض عنه (المنان) الذي يجود بالنوال قبل السوأل وهو(الغفور) يغفر ذنوبا كقراب الأرض و عنان السماء (الرحمن الرحيم) أرحم بنا من أمهاتنا بل الرحمة التي في كل أم في الإنسان و الحيوان وعلى مدى الأجيال و التاريخ وكل رحمات الدنيا هي جزء من مئة جزء من رحمة الآخرة ومن يتفكر في اسمه (الرب) من جهة القدر يعلم أن كل شيء مكتوب سلفا فتصبح الدنيا عنده كنعله ولا يهتم عنده ملايين أو ملاليم المهم أن (الملك) في عليائه تذكره و أرسل له هبة فيا للشرف العظيم من (الرزاق الكريم).
ومن يتفكر في الربوبية من جهة أنه تعالى(الخالق المحي المميت القادر البارىء المصور)ينظر كيف اجتمعت النواة و البروتونات و من أين أتت الإلكترونات بالطاقة التي تجعلها تدور7 مليون مليار دورة في الثانية حول النواة لتكون الذرات وكيف اجتمعت الذرات في نظام كامل معجز خارق لتكون التصميم المعجز للخلية بكل مكوناتها وسيتوبلازمها و أغشيتها و أنظمتها و أنظمة طاقتها , وكيف اجتمعت الخلايا بإحكام و تدبير عجيب لتكون الأنسجة و كيف تناسقت الأنسجة و الأربطة و الأوتار معا مثلا لتكون الأعضاء و كيف اجتمعت الأعضاء بتصميم معجز كامل لتكون أجهزة لها أعمال و مهام لا تكون الحياة إلا بها كجهاز التنفس و جهاز الهضم و جهاز الدم و السمع و البصر ثم انظر للكيمياء في البنكرياس و كيف تعمل العين و كيف يحول النبات الضوء و الماء و الأملاح و ثاني أكسيد الكربون إلى غذاء جلوكوز ثم لا يستفيد هو من هذا الغذاء كله بل يصنعه لنا على شكل هدية مغلفة" ثمرة " لا حياة إلا بها ثم انظر كيف اجتمعت أسباب الحياة على هذا الكوكب دون غيره من هواء و ماء وبعد معين عن الشمس و مسار محدد و تعاقب لليل والنهار و اتزان في دورة الحياة وكيف تحفظ مياه المحيطات من الفساد بملوحتها كل شيء في الخلق محكم على الكمال و النهاية .
ثم انظر للنجوم و السعه الهائلة في الكون وملايين المجرات و السنين الضوئية و السدم لتعلم من هو( العظيم)
وكل هذا التأمل محصور فقط في عالم المادة" الطين" نحن لم نر الجن و لم تسنح لنا الفرصة لندرس الملائكة
لا نعلم الكثير عن عالمهم و عوالم غيرهم ولم نر بعد الحياة الثانية التي هي أكثر حياة وألوانا و جمالا و مخلوقات من الحياة الأولى هذا بخلاف أبديتها فهل لكمال الله حدود هل لعظمته و كرمه و مجده حدود؟
كل هذا التفكير يقودك إلى نهاية مفرحة جدا وهى الجنة ذلك انك إن كنت موحدا فلك الجنة تعيش فيها حلمك مهما كان و تتحقق فيها أمنياتك مهما كانت{وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون}.
لكن الهدف من هذا المقال أن نعلم أن اليوم الذي لا تتحمله الجبال......هي لم تحتمله لا بسبب جنة أو نار بل بسبب أعلى من هذا بكثير وهو" لقاء الله"الملك العلى كيف تتحمل الجبال الكمال المطلق يستحيل لكن مخلوقا واحد جعله الله قادرا على هذا وهو قلب الإنسان{إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}{فمن كان يرجو لقاء ربه} {واعلموا أنكم ملاقوه}{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}قلب الإنسان كما ذكر ابن القيم جعله الله عرشا لمعاني أسمائه و صفاته , ولكي نفهم مسألة لقاء الله لابد أن نعلم شيئا عن معنى لفظ الجلالة الله أحاول أن أوجزه فيما بقى من سطور, أولا اشتق لفظ الجلالة من ولاه ثم أبدلت الواو همزة فصارت إله ثم زيدت اللام
فما معنى وله و ولاه في مقاييس اللغة لابن فارس ] أصل صحيح يدل على إضطراب شيء أو ذهابه[
أمثلة/ ناقة ميلاه:فرق بينها و بين ولدها , رضيع واله:أبعد عن أمه بكاؤه لا حدود له , ماء موله:أرسل في الصحراء فضاع , عين مولهه:أخد ماؤها فانتهت , أله الفصيل:إذا أودع بأمه فيبتهج و يطمئن و يمرح
عاشق ولهان:ذهب عقله من شدة الوجد على الحبيب , حسنا من هذه المعانى نستطيع أن نستنتج معنى الوله و التأله في ثلاثة معانى رئيسية :
1- ((إضطراب شىء أو ذهابه)) فإن حاجة الروح للتأله ليس لها نظير تقاس به فهو غذاء الروح بالضبط كغذاء الجسد إذا حرمت الجسد الأكسجين يهلك كذلك الروح تهلك إن لم تتأله للإله الحق حتف أنفها ستتأله للإله الباطل بحسب ما يحيط بها من هذه الكائنات التى تستعبد القلوب بالضبط كالرئتين إذا لم تجد الهواء تنفست الماء {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء}ضاع و هلك.
2- ((الحب المصحوب بالشوق و الحنين)) فإن القلب خلق على هذه الطبيعة لابد له من محبوب مطلق مطلوب لذاته وبعده تحب الأشياء كلها في سبيله فإن التأله هو هذا الحب المطلق(... أحب أليه مما سواهما)
3- ((ربط بين الفرع و الأصل)) فأنت الفرع وأصلك التأله لله عز و جل و الصلة به, خلقت مرتبطا بربك أشد الإرتباط و السر في أن الروح لا تـــطمئن و لا تبتهج و لا تســعد إلا بهذه الصلة أنها أصلا جاءت من عنده {ونفخت فيه من روحى } فهى مخلوقة لكن لها شرفا هائلا فنسبها الله إلى نفسه وهذ ا سبب تعلقها به و هلاكها بدون تألهه و حبه لأنها من عنده لأنها أصلا كانت في صلة و قرب .
لذا كانت السعادة الحقيقية و الكاملة في حب الله تعالى فمسألة القرب و لقاء الله هذه مسألة عظيمة جدا كيف لهذا الانسان الطين الصغير أن يرتقى و يرتقى و يسمو ليلقى الله و يكلمه منه إليه ويدنيه في مجلسه و يقربه منه- بحسب قربه السابق في الدنيا"الصلاة"- فهذا أسمى غايات الإنسان ومنتهى لذته و سعادته هل تتصور نعمة الكلام مع الله هل تتصور النظر إلى وجه الله الكريم !!